شكرا لتعليقك عزيزي. خليني اقولك بعض الأفكار تفاعلاً مع تعليقك: أولاً، حضرتك قلت إن "التجسد صفة،" ونحن لا نقول إن "التجسد صفة" في جوهر الله. جوهر الله في الفكر المسيحي والكتابي، جوهر سامي عن التغير وعن أي نقصان. التجسد ليس صفة في جوهر الله الكامل، التجسد كان أحد أعمال الله الكامل التي لم تغير من جوهره ولا من عدم محدوديته في ذاته. (واسمح لي أقول لحضرتك أن دي مغلطة منطقية تُدعى، "مغالطة رجل القش"، أنك تسيء تقديم رأي الآخر لكي تنقده. فأذا كنّا نريد حوار بناء دايما محتاجين نعرض اراء بعضنا بطريقة تتفق مع ما يؤمن به الآخر بدّقة، لا مع ما أظن أن الآخر يؤمن به أو ما اصور أنه يؤمن به). ثانيًا (ومكملاً للفكرة الأولى)، إذا كان نوع اقتراب الله من البشرية في "حدث التجسد" يقودك للتأكيد أن " لا تليق بذات الله"، فخليني أقول لحضرتك أن بنفس هذا المنطق اقتراب الله العظيم غير المحدود في "حدث الخلق" نفسه يجعله (بحسب منطق حضرتك) ناقص ايضًا. بمعنى، أني ممكن أضع معيار أقول فيه الآتي: "الله في عظمته وسموه، لا يمكن يخلق بشر يعصوه، ولا مادة هتستخدم في خطيئة، ولا يمكن أن يتواصل مع أشرار خطاة عصوا امره..." فالخلق، والتواصل مع الخليقة (بالوحيّ) كلها أمور تجعل الله يقترب بطريقة ما خليقته، تجعل المتعالي يتنازل بطريقة ما، طوعا، ودون تغير في جوهره، لكن تعبيرا عن جوده واحسانه. لذلك، فالتجسد هو خطوة أسمى، أخذها الله دون تغير في جوهره، خطوة أسمى لكنها في نفس الاتجاه، نفس اتجاه ترفقه وتحننه على خليقته بأن يخلقها وبأن يعلن لها عن ذاته في الوحي. ثالثًا، حضرتك في حديثك قلت إن في التجسد الله "يصير ناقص"، وهذا شيء يوحي بأن الله تحول في جوهره الإلهي اثناء التجسد. لكن الكتاب المقدس والمسيحيين عبر العصور أكدوا أن التجسد (كما قلت قبلاً) لم يحول أي شيء في طبيعة الابن الأزلي. فالابن الأزلي أخذ طبيعة بشرية كاملة دون تغيير في طبيعته الإلهية. هذا أحد مقاطع تصف ما آمن به المسيحيين عبر العصور: "إنّ المسيح هو نفسه تامّ في الألوهة وتامّ في البشريّة، إله حقّ وإنسان حقّ. إنّه مساوٍ للآب في الألوهة ومساوٍ لنا في البشريّة، شبيه بنا في كلّ شيء ما خلا الخطية.... واحدٌ هو، وهو نفسه المسيح، ابن الله، الربّ، الذي يجب الاعتراف به في طبيعتين متّحدتين دون اختلاط ولا تحوّل ولا انقسام ولا انفصال. وهو لم ينقسم ولم ينفصل إلى شخصين، بل واحدٌ هو، وهو نفسه الابن الوحيد، الإله الكلمة، الربّ يسوع المسيح." (جمع خلقيدونية ٤٥١م). لاحظ تعبيرات "دون اختلاط ولا تحوّل" في أي من طبيعتيه. الجمل دي بتنفي ما تنفيه حضرتك من نقصان. فاحنا نؤمن بما أعلنه الله: أن يمكن أن يكون هناك تجسد دون تحول أو نقصان في طبيعة الله. رابعًا، وبالنسبة للمثل لمقارنة التأنس بالتجسد في كلب، ورفض الثاني يجعل الأول مرفوض. فهذا مغالطة منطقية تُدعى "المنحدر الزلق"، واللي بتقول إن لو قلنا (أ) حصل، يترتب على ده أننا هنقول أن (ب) ممكن يحصل أو مقبول أن يحصل أو بالضرورة هيحصل. لكن الفكر المسيحي المبني على الإعلان يؤكد أن الله الابن اخذ طبيعة بشرية وله الحرية في أن يفعل ذلك، ولم يفعل أي نوع من آخر من التجسد. بالإضافة لهذا سؤال حضرتك لم يأخذ في الاعتبار معطيات مختلفة في المنظومة الفكرية المسيحية (المبنية علي الكتاب المقدس) واللي بتشمل: (١) الإنسان مخلوق محدود لكنه خُلق ليعكس بطريقة فريدة أمور عن الله ليس للحيوانات أن تعكسها، أهمها "النطق/الكلمة"؛ (٢) أن حتى الكائنات السماوية، أي الملائكة، عندما سقطت في عصيان (أي خطأ بعض الملائكة اللي جعل بعضهم شياطين) لم يأخذ الله طبيعة ملائكة لكي ينقذهم. فالله له مطلق الحرية في تدخله لإنقاذ خليقته (راجع، اذا اردت، رسالة عبرانيين ٢: ١٦). (٣) إذًا تنزيه الله عن أي نوع أخر من التجسد، (أ) مبني على تفرد البشر من جهة (رغم نقصانهم الذي اتفق معك فيه، مع تأكيدنا بأن هذا النقصان لم يؤثر ولم يغير جوهر الابن الأزلي الذي لا يتغير) (ب) قرار الله جلاله من جهة أخرى.

خامسًا، "فالله لا يختاج أن يتجسد ويصلب ويموت من أجل مغفرة خطية أصلا." نعم الله لا يحتاج إلى أي شيء. لكنه فعل ذلك طوعًا (اشجعك اقرأ الإنجيل كما دونه البشير يوحنا لتفهم عن المسيحية من قلبها ومن فكرها لا من معارضيها). والصليب والموت (لم يؤثرا مرة أخرى على طبيعة المسيح الألوهية التي لا تتغير) لكنهما كانا ضروريان لكي يعلن الله أنه قدوس لا يتصالح مع الخطية، لا يعبر الخطية دون دينونة وعقاب لأنه لا يساوم مع عدالته الإلهية التي تدين الخطية... عزيزي أن يغفر الله الخطية دون استيفاء مطالب عدالته، هذا تغيير تطالب به ولكنه لا يمكن أن يحدث في الإله الذي لا يتغير. تخيل معي، قاضي أمامه مجرم مثبت بكل الأدلة أنه سرق مليون جنيه. والسرقة هذه حدثت في حق القاضي نفسه هو وعائلته. في حضور عائلته، قال هذا القاضي "المجرم بريء"، ستصيح العائلة، من يدفع الثمن؟! أين العدل؟ إن قال، "هذا رحمة" سيقولون، "وأين العدل"؛ لكن إن قال القاضي، "أنا أوفي، أنا أسدد مطالب العادل، أن أسدد الدين، لأن هذا المجرم أبني!" محدش هيلومه على سخاءه وجوده، بل بالعكس هيمدح على ورحمته، وعدالته، وكمان حكمته اللي جعلت صفات مختلفة منسجمة أثناء تحقيق الغفران. اسمحلي اقتبس بعض الايات من الكتاب المقدس: ١٨ فَإِنَّ كَلِمَةَ ٱلصَّلِيبِ عِنْدَ ٱلْهَالِكِينَ جَهَالَةٌ، وَأَمَّا عِنْدَنَا نَحْنُ ٱلْمُخَلَّصِينَ فَهِيَ قُوَّةُ ٱللهِ، ١٩ لِأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: «سَأُبِيدُ حِكْمَةَ ٱلْحُكَمَاءِ، وَأَرْفُضُ فَهْمَ ٱلْفُهَمَاءِ». ٢٠ أَيْنَ ٱلْحَكِيمُ؟ أَيْنَ ٱلْكَاتِبُ؟ أَيْنَ مُبَاحِثُ هَذَا ٱلدَّهْرِ؟ أَلَمْ يُجَهِّلِ ٱللهُ حِكْمَةَ هَذَا ٱلْعَالَمِ؟ ٢١ لِأَنَّهُ إِذْ كَانَ ٱلْعَالَمُ فِي حِكْمَةِ ٱللهِ لَمْ يَعْرِفِ ٱللهَ بِٱلْحِكْمَةِ، ٱسْتَحْسَنَ ٱللهُ أَنْ يُخَلِّصَ ٱلْمُؤْمِنِينَ بِجَهَالَةِ ٱلْكِرَازَةِ. ٢٢ لِأَنَّ ٱلْيَهُودَ يَسْأَلُونَ آيَةً، وَٱلْيُونَانِيِّينَ يَطْلُبُونَ حِكْمَةً، ٢٣ وَلَكِنَّنَا نَحْنُ نَكْرِزُ بِٱلْمَسِيحِ مَصْلُوبًا: لِلْيَهُودِ عَثْرَةً، وَلِلْيُونَانِيِّينَ جَهَالَةً! ٢٤ وَأَمَّا لِلْمَدْعُوِّينَ: يَهُودًا وَيُونَانِيِّينَ، فَبِٱلْمَسِيحِ قُوَّةِ ٱللهِ وَحِكْمَةِ ٱللهِ ٣٣ يَا لَعُمْقِ غِنَى ٱللهِ وَحِكْمَتِهِ وَعِلْمِهِ! مَا أَبْعَدَ أَحْكَامَهُ عَنِ ٱلْفَحْصِ وَطُرُقَهُ عَنِ ٱلِٱسْتِقْصَاءِ! ٣٤ «لِأَنْ مَنْ عَرَفَ فِكْرَ ٱلرَّبِّ؟ أَوْ مَنْ صَارَ لَهُ مُشِيرًا؟ ٣٥ أَوْ مَنْ سَبَقَ فَأَعْطَاهُ فَيُكَافَأَ؟». ٣٦ لِأَنَّ مِنْهُ وَبِهِ وَلَهُ كُلَّ ٱلْأَشْيَاءِ. لَهُ ٱلْمَجْدُ إِلَى ٱلْأَبَدِ. آمِينَ. ملاحظة أخيرة: عبر بعض المسيحيين العرب في القرون الثامن إلى الحادي عشر عن هذه الفكرة بالقول: ما يفصل جميع الكائنات الحية عن بعضها أمرين: الكلمة والروح. فالكائنات الحية (نباتات، حيوانات، بشر) تختلف عن الجماد بوجود الروح؛ والكائنات الحية جميعها تختلف عن الإنسان في كون الإنسان وحده ناطق له "كلمة"؛ وده ساعد لاهوتيين عرب كتير يروا أن أسمى صفتين يفصلا بين الخلائق، هم تعبير عما يتميز به الله اليحى ازلاً، فالله واحد منذ الازل حي بروحه ناطق بكلمته... الله الآب معه ازلاً الكلمة والروح. فالخيلقة من بصمات هذا الإله. - مارك عبد المسيح