Amr Selim Day El Anadeel ضى القناديل عمرو

كنا ونحن صغار نسمي أحد شوارع حي الزمالك: شارع التنهدات. فقد رأينا وعايشنا (كوبري التنهدات) في مدينة البندقية.. وتحت الكوبري يتسكع العشاق في الجندول ويقولون: آه.. وفي مدينة تبنجن الألمانية توجد حديقة اسمها (حديقة التنهدات) وفيها يجلس الطلبة بعيدا عن قاعات البحث ويقولون: آه..
ونحن أطلقنا الاسم على شارع الجبلاية، أي الجبل الصغير، الموجود في حديقة الأسماك. وأظن أنا الذي قال وكتب عن هذا الشارع وأطلق عليه هذه التسمية.. والشارع يبدأ من فيلا أم كلثوم مارا ببيت إحسان عبد القدوس وفاتن حمامة وسباق الخيل والنادي الأهلي..
والشارع كثيف الأشجار، والأشجار لها ظلال حالمة إذا كان القمر في السماء.. فإذا لم يكن فإن العيون والدموع هي التي تلمع في ضوء السيارات العابرة أو الواقفة أو التي تحاول، ثم عدت فكتبت عن شارع آخر اسمه شارع التنهدات وأصدرت كتابا بعنوان (شارع التنهدات).. وهو الشارع الذي يمتد من مبنى الإذاعة القديم وماركوني مارا بصحيفة «الأساس» مع بدايتي الصحافية.. ثم مارا بمحل «البن البرازيلي»، الذي وقفنا أمامه ربما عشرين عاما نلتقي كل صباح مع الإذاعيين والصحافيين والممثلين.. وانتهاء بشارع الصحافة، حيث صحف «أخبار اليوم» و«الجورنال ديجييت» و«الزمان» وبعد ذلك «الأهرام».. وأمضيت العمر كله في هذا الشارع ذهابا وإيابا وطعاما وشرابا. وعندما احترقت القاهرة وقفنا نرى الخشب يتحول إلى فحم في النادي الإنجليزي ووراء مكتبة «سميث»، التي كانت تتطاير فيها الكتب كتلا من النار والدخان ووجع القلب ودموع العين..
وماتت البنت الحلوة التي كانت حلمنا جميعا.. ما اجمل صوتها وصورتها ولغاتها وحياتها ومغامراتها، وكانت طاقة تبث الأمل وتشع الحيوية وتوقد نيران الحب والغيرة.. كل ذلك صار ترابا.. رحم الله ارليت كوجان عاشقة مصر وتاريخها وملهمة شعرائها وفلاسفتها..