🛑 بلعم بن باعورا وعاقبة الشر

🛑 بلعم بن باعورا وعاقبة الشر :
ورد في حديث عن الإمام موسى بن جعفر (ع) ما يفيد من قوله إن بلعم بن باعورا ، قد بلغ في دنيا العلم والعمل من المستوى والتعمق والتقدم ما جعل دعاءه مستجاباً ، غير مردود ، حتى أنه كان يعلم أسم الله الأعظم ، ولكن مع كل هذا فقد رحل عن الدنيا ومات كافراً ، وقد مثل في القرآن المجيد بالكلب (1) ترى كيف آل الدهر بهذا الشقي ؟
يقول الإمام (ع) أحدها أن الله سبحانه وكله إلى نفسه ، وسبب إيكاله إلى نفسه يقول (ع) : إنه لم يشكر نعمة الله عليه ، بل راح يكفر بها والكفران يُسبب خذلان الله ، الذي شمله وسقط عن اللطف والتوفيق الإلهي ، ومعلوم أن الذي يُحرم اللطف الإلهي ويُقطع عنه ، فان بابه مفتوح لدخول الشياطين ، ووسوستها في قلبه ، فتجعله ينسلخ عن الطريق القويم .
على أية حال ، فليس هناك أي شكل من أشكال الإجبار والإكراه في الأمر والله سبحانه يقول في صريح القرآن المجيد : لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فالأمر الذي يحمل الخير والصلاح ، فان وراءه التسديد والتوفيق الإلهي إلى الخيرات ، وأما الشر الذي يوجب الخذلان والإيكال الإلهي للشرير إلى نفسه .
(1) يقول تعالى في شأنه :📚 { وَٱتۡلُ عَلَیۡهِمۡ نَبَأَ ٱلَّذِیۤ ءَاتَیۡنَـٰهُ ءَایَـٰتِنَا فَٱنسَلَخَ مِنۡهَا فَأَتۡبَعَهُ ٱلشَّیۡطَـٰنُ فَكَانَ مِنَ ٱلۡغَاوِینَ (١٧٥) وَلَوۡ شِئۡنَا لَرَفَعۡنَـٰهُ بِهَا وَلَـٰكِنَّهُۥۤ أَخۡلَدَ إِلَى ٱلۡأَرۡضِ وَٱتَّبَعَ هَوَىٰهُۚ فَمَثَلُهُۥ كَمَثَلِ ٱلۡكَلۡبِ إِن تَحۡمِلۡ عَلَیۡهِ یَلۡهَثۡ أَوۡ تَتۡرُكۡهُ یَلۡهَثۚ ذَّ ٰ⁠لِكَ مَثَلُ ٱلۡقَوۡمِ ٱلَّذِینَ كَذَّبُوا۟ بِـَٔایَـٰتِنَاۚ فَٱقۡصُصِ ٱلۡقَصَصَ لَعَلَّهُمۡ یَتَفَكَّرُونَ (١٧٦) }
[سُورَةُ الأَعۡرَافِ: الآياتان١٧٥-١٧٦]
🛑 التفويض لا يعني الإستقلالية التامة :
لتبيان هذا الموضوع والتمييز بين الإختيار والإجبار في الحركة نضرب لذلك مثالاً إن اليد حينما تصاب برعشة فإننا نجدها ترتجف من ذاتها ودون إرادة صاحبها في تحريكها ، وأما في الحالات الطبيعية فإن حركة اليد تتبع إرادة الشخص ، إن شاء حركها وإن لم يشأ تبقى ساكنة وهذه هي الحركة الإختيارية ، أما في الحالة الأولى التي لا يتمكن الشخص من السيطرة على حركة اليد حين الرعشة فهي الحركة الإجبارية أو الإضطرارية .
إنك حين تتناول طعاماً فإن رفع اللقمة وإدخالها في الفم ثم مضغها وبلعها فكل ذلك يتم بحركة إختيارية أي أنك باستطاعتك أن لا تمد يدك إلى الطعام ومن ثم تناوله وإن كنت في أشد الجوع ، بينما حين يدخل الطعام إلى المعدة ومنها إلى الإمعاء ويتم هضمه وكل نشاط يعقب البلع سيكون نشاطاً لا إرادياً أي اضطرارياً لا يمكن للإنسان ان يسيطر عليه أي ليس بإمكانك توقيف حركة معدتك إن هي سالمة تعمل ، وبالعكس لا يمكنك أن تجبرها على الهضم الطبيعي إن هي توقفت عن العمل أو أختل عملها لطارىء يطرأ عليها فيعطلها .
لا شك إن جميع أعمالنا التي نقوم بها هي من النوع الثاني أي الإختياري والمتعلق بإرادة الإنسان وليس كرجفة اليد ، فالذي يختار السعادة على الشقاء يمضي في طريق السعادة حتى بلوغها بمحض إرادته والذي يندفع بدافع شهواته وأهوائه الضالة يمضي في طريقه نحو الشقاء كما أوضحنا ذلك سابقاً أما الموضوع المهم الآخر الذي ينبغي الإشارة إليه هنا هو أن الإختيار ليس يعني إختياراً تاماً مستقلاً أي أن المرء يكون له كل ما شاء وأراد وبمعنى آخر إن منتهى الوقوع يتوقف على الإرادة الإلهية أي أن الذي يريده الله ويشاؤه يقع ويكون لا كما يريد العبد ، فإن شاء سبحانه كان وإن لم يشأ لن يكن .
📚 كتاب حقائق من القرآن
👤 الشهيد السيد عبد الحسين دستغيب
• 🛑 بلعم بن باعورا وعاقب...