Рет қаралды 181,632
د.يوسف القَرَضاوي: زيارة المغرب والمشاركة بدرس في الدروس الحسنية,كما حكاها بِنفسِه رحمة الله عليْه
في شهر رمضان سنة 1403هـ الموافق 1983م، دعيت من قبل وزير الأوقاف المغربي الدكتور عبد الكبير العلوي المدغري عن طريق سفير المملكة المغربية بالدوحة، للمشاركة في الدروس الحسنية الشهيرة، التي اعتاد ملك المغرب الحسن الثاني أن يقيمها كل رمضان، ويدعو إليها عددًا من العلماء من خارج المغرب، بالإضافة إلى علماء المغرب.
ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي أدعى لهذه الدروس، فقد دُعيت إليها من قبل عدّة مرات، ولكني كنت أعتذر عن عدم تلبية الدعوة بأعذار شتّى، فقد حذرني كثيرون: أن هذه الدروس تلزم العلماء بطقوس معينة لا تتفق مع طبيعتي، مثل الانحناء، والمبالغة في الثناء والتعظيم للملك الذي يدعونه عادة بأمير المؤمنين. وقلت: أنا في غنى أن أكلف نفسي ما لا تحبه ولا تحتمله، فالاعتذار أسلم طريق.
ولكن سفراء المملكة في قطر الذين خالطوني وعرفوني ظلوا يلحُّون عليّ أن أستجيب، وقالوا لي: إن أحدًا لا يلزمك بشيء من هذه الطقوس، وكل عالم حر في تصرفه.وأخيرًا استجبت للدعوة في رمضان الموافق 1978م،وسافرت إلى المغرب فعلًا للمشاركة فيها،ولكن قدَّر الله أن يدخل الملك المستشفى لإجراء عملية جراحية،فلم تعقد هذه الدروس في ذلك الموسم.ومن هنا رتَّبوا لنا زيارة بعض المدن المغربية وإلقاء بعض الدروس والمحاضرات في بعض المدن، منها مدينة الرباط نفسها، ومنها الدار البيضاء،ومنها مدينة فاس،التي زرت فيها جامع القرويين الشهير،وألقيت محاضرة في جامعة محمد بن عبد الله،قدمني فيها صديقنا العالم الداعية الثبت المعروف: الدكتور عبد السلام الهراس.
وبعد ذلك عدت إلى قطر،عن طريق باريس،بعد أن تعرفت على المغرب في أول زيارة لي إليه. وتعرفت على الأخ الكريم الداعية:عبد الإله بن كبران،الذي صحبني إلى الأسواق،لأشتري بعض الملبوسات المغربية للأولاد.وقلت في نفسي: الخير ما اختاره الله لي،فقد كنت متخوفًا من هذه الدروس وما قد يكون فيها من إحراجات لا تناسبني.وكل شيء مرهون بوقته على ما قدر الله سبحانه. هذا ما كان في زيارة سنة 1978
أما هذه المرة،فقد كانت سنة 1983م،وفي شهر رمضان 1403هـ. وقد سافرت من قطر على طائرة الخليج التي أقلّتني من الدوحة إلى باريس،والتي تقوم عادة من الدوحة بعد منتصف الليل،وتصل إلى باريس في الصباح.ثم آخذ الطائرة المغربية بعدها من مطار «أورلي» على مسافة غير قليلة من مطار «شارل ديغول»،وقد رتّب الإخوة من ينقلني ويصحبني.
عندما وصلت إلى مدينة الرباط،ونزلت - بفندق حسان - وهو الذي نزلت فيه المرة الماضية،كنا في منتصف الليل تمامًا،بتوقيت قطر،إذ الفرق بين قطر والمغرب ثلاث ساعات.
وبقيت أيامًا أنتظر دوري في إلقاء درسي،وقد دعانا بعض وجهاء الرباط على الإفطار،على الطريقة المغربية،حيث نتناول شربة «الحريرة» ثم نصلي المغرب: فريضته وسنته،ثم نعود لاستكمال الإفطار
وكانت الدروس عادة تنطلق من آية كريمة أو من حديث شريف، وقد سألوني عن منطلق الدرس،وهل هو مكتوب أو مُرتجل،فأخبرتهم أنه مرتجل،وأنه ينطلق من الحديث النبوي الذي رواه أبو داود والحاكم وغيرهما عن أبي هريرة: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله يبعث على رأس كل مائة سنة لهذه الأمة: من يجدد لها دينها»
وفي الليلة المعهودة،ذهبت إلى قصر الملك،وحيَّيته وسلَّمت عليه من وقوف،ولم أضطر إلى أن أنحني، أو أخرج عن طبيعتي قيد أنملة،كما قد قيل لي من قبل.بل كان الرجل ودودًا بشوشًا مُرحَّبًا بي أكثر من غيري، ممن ألقوا دروسًا قبلي.
جلست على الكرسي وجلس الجميع - ومنهم الملك نفسه - على الأرض، وقد حضر ولي العهد - وهو الآن الملك محمد السادس - وحضر الوزير الأول والوزراء وكبار رجال الدولة،وقادة الجيش،وسفراء الدول الإسلامية،وكبار العلماء ووجهاء البلد.وكان سفير قطر في ذلك الوقت هو عميد السلك الدبلوماسي، لعراقته في وظيفته هناك،وهو الأستاذ عبد الله الجيدة ظظظ
وابتدأت درسي بقولي:مولانا الملك المُعظم ثم استرسلت في درسي.وجدت الخطاب بهذا الوصف هو أكثر ما يكون ملاءمة لموقفي،وهو تعبير صادق عن الواقع،وليس فيه ما يؤخذ عليَّ
.فأما كلمة «مولانا» فكل المسلمين موالي بعضهم لبعض،{وَٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتُ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِيَآءُ بَعۡضٖ} [التوبة: 71]،وأما كلمة «الملك» فهذه حقيقة،فهو ملك مبايع من شعبه،وأما كلمة «المُعظم» فهي حقيقة كذلك،بل هو معظَّم جدًّا،ولا سيما من ناحية نسبه الشريف،إذ هو يفخر بأنه ينتمي إلى الحسن السبط أحد سيدا شباب أهل الجنة. فلم أكذب ولم أنافق فيما قلت
وفي آخر الدرس،أو قل: بعد أن ختمته،سألني الملك سؤالًا مهمًا على عادته في مناقشة العلماء،وذلك حين قال:إنَّ الذي نحفظه في رواية هذا الحديث: أنه بلفظ: «يجدِّد لها أمر دينها».قلت:هذا هو المشهور على الألسنة،ولكن الذي رواه أبو داود في كتاب الملاحم من «سننه»، ورواه الحاكم في «مستدركه»، ورواه البيهقي في «معرفة السنن والآثار»،كلهم متفقون على هذه الصيغة: «يجدد لها دينها»،والتجديد بالمعنى الذي شرحته لا حرج فيه
وقد كان هذا السؤال من الملك والرد عليه مني بصراحة،موضع حديث المغرب كله: أني رددت على الملك،ولم أُسلِّم له،كما يفعل كثيرون،ولا أرى في ذلك بطولة ولا فضلًا،فقد سأل الملك سؤالًا،وبيَّنت له الإجابة حسب علمي ولن أحرّف العلم من أجل الملك ولا أحسبه هو يرضى ذلك مني،ويبدو أن الذي تعوده الناس من العلماء: ألا يعقبوا على ما يقوله الملك.
وفي ختام المجلس: صافحني الملك بحرارة، وقال لي: نريدك أن تكون معنا في الموسم القادم.وطلب مني أن أبلغ سلامه إلى سمو أمير قطر الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني،وقد فعلت. كما سلَّم عليّ وليّ العهد وكبار رجال الدولة،وسفير قطر،الأستاذ عبد الله الجيدة،عميد السلك الدبلوماسي في المغرب، وسفير عُمَان،وقد كان ممن يحضرون دروسي في الدوحة،وقد حصل على الثانوية من قطر،وهو من آل الحارثي.
...بتصرُّف
#الدُّروس_الحَسنِيَّة