Рет қаралды 183
عظة الأب سمعان أبو حيدر في الأحد الذي بعد عيد الميلاد
الأحد ٢٩ كانون الأول ٢٠٢٤ - كنيسة الظهور الإلهي - النقاش
شهداء الميلاد
باسم الآب والابن والروح القدس. آمين.
المسيح ولد… فمجّدوه!
يسود عالمنا اليوم الكثير من الارتباك والتشوّش. منذ سقوط آدم، عاش البشر تحت حجاب من الظلمة غير قادرين على تمييز خليقة الله. خلال هذا الموسم المقدس، يُشرق نورٌ عظيم. نُّور الرب يسوع، الإله المتجسّد، على «الشعب السَّالك في الظلمة».
نظرة سريعة على العالم من حولنا، تظهر كأنَّ الميلاد مجرّد حدث غير منطقي. معظمنا مشغول بالتشبّث بالحياة وبمحاولة كسب المزيد… لكثيرين، صار الله بعيد جدًا عن حياتهم لدرجة أن فكرة ميلاده وسُكناه بيننا تبدو مُستبعدة تمامًا من اهتماماتهم.
نتأمّل اليوم بمعنى عيد الميلاد من زاوية «عمليّة». في الكنيسة الأرثوذكسية، كل اللاهوت هو «لاهوت عملي»، وإلاّ فهو عديم الفائدة! لذلك، ابن الله الأزلي، لمّا رأى خليقته الحبيبة تبتعد وتقطع نفسها عن مصدر الحياة. عاين موتنا. رأى معاناتنا وانفصالنا عنه وعن بعضنا البعض. رأى انكسارنا. واصابتنا بمرض الخطيئة والموت. رأى استعبادنا للشيطان. ونظرًا لحالتنا اليائسة، اختار أن يدخل حياتنا.
اختار أن يصير واحدًا منَّا. لا مجرّد شبيه بنا أو يتصرّف مثلنا. لم يكن ناسوته وهمًا بل حقيقة. دخل إله الكون نفسه رحم تلك الفتاة المقدسة. لا مجرّد سُكنى فيها فحسب، بل جعل ناسوتها خاصّته. دخل الزمان والتاريخ وانتسب للبشرية وصار له أجداد وأنسباء. صار إنسانًا، بل «الإنسان»، آدم الجديد. النموذج الجديد. بِكر كلّ إنسان. وأعاد جبلّة آدم.
لذلك عندما نقرأ اليوم عن جريمة هيرودس المروّعة، نبكي مع راحيل بـ«نَوح وبكاء وعويل كثير» على أولاد لم يعودوا موجودين. نرثي على أطفال العالم القتلى، لأن وجه المسيح المطبوع على كل جنين منذ لحظة الحمل، صار مُدرّجًا بالدماء.
يا إخوة، العالم اليوم غارق في الارتباك، لدرجة أنه يُشرّع قتل الأطفال في الرحم. أكثر من ٥/١ الأطفال الذين يتم الحمل بهم في العالم يُجهَضون. الرحَم، المُفترض أن يمثّل أقصى درجات الأمان والدفء والحميمية، تحوّل الى ساحة حرب! تُشن حرب عشواء ضدّ الأكثر براءة والأكثر عجزًا والأكثر ضعفًا. قانون جديد في بلجيكا، يشرّع للطبيب، دون مراجعة الوالدين، أن يميت أي ولد دون عمر السنة لو اعتُبر «بعاهة». كيف انحدرنا الى ذلك؟ لأننا لم نعد ننظر إلى البشر لنرى المسيح الذي خُلقوا على مثاله.
قتل أي طفل، داخل الرحم أم خارجه، سواء بواسطة طبيب أو مجرم حرب، هو شرّ عظيم ومرعب. نعم، العالم في حيرة من أمره بشأن ما يعنيه أن تكون إنسانًا. يحتار بين مجرّد «كتلة من الخلايا» ينبغي التخلّص منها وبين «شخص» يجب أن يحميه القانون.
كمسيحيين، نحن لا ننتظر القانون لتحديد ما هو أخلاقي. بغضّ النظر عن النظريات الاقتصادية أو الأحزاب السياسية، يتوجّب علينا أن نعمل بِجدّ لوقف بحر الدماء المراق، لأننا نؤمن بأن الإنسان هو صورة الله. حقيقة أن الإجهاض صار «آمنًا» و«نظيفًا» و«ملائمًا» يجب أن ترعبنا أكثر، لأننا شرّعنا قتل الأطفال. لكن إيماننا المبني على تاريخ آباء الكنيسة يؤكّد أن لحظة لقاء الأبوين هي لحظة شرارة الإنسانية، اللحظة التي يصير فيها وجه المسيح حاضرًا بطريقة فريدة لا تتكرر.
لا تكفي إشارتنا الى خطيئة الإجهاض. قد يجهل الُمجهضون هول الأمر أو يقرّون به، لكنهم يتضرّرون إلى الأبد بسببه. وبينما يُجهض كثيرون لمجرّد حياة من التفلُّت، كثيرون أيضًا يجهضون بدافع اليأس. لا عجب أن عيادات الإجهاض (في العالم) غالبًا ما تكون في أفقر الأحياء وأكثرها يأسًا. يعرف هؤلاء القتلة «سوق» عملهم المستهدف. فما العمل؟
يمكننا مرافقة مَن يفكّرون بالاجهاض بدافع اليأس. يمكننا أن نعرض المشورة والمساعدة عليهنّ عبر توفير ملجأ يستقبلهنّ حتّى الولادة. يمكننا أن نفعل الكثير من أجلهن. لكن ما يمنعنا حقًا هو افتقارنا إلى المحبّة.
حتّى الذين ارتكبوا الإجهاض هم يعيشون المعاناة ويحتاجون إلى الشفاء. هم أيضًا بحاجة إلى المحبّة. هم بحاجة إلى التوبة من خلال نعمة يسوع المسيح ومحبّته، واجبنا أن نرفع أعينهم إليه. لا يمكن تقديم الشفاء لأي شخص لو رفضنا الاقرار بجرحه وانكساره. يجب أن نتّخذ خطوات إيجابية للمس حياة الآخرين، وأن نصبح آداة حضور المسيح فيها.
في موسم عيد «الأنوار المبارك» حين تدعونا الكنيسة للتأمل في ميلاد المخلّص. ننجذب أيضًا لتأمُّل العلاقة الحميمة بينه وبين خليقته. لقد خلقنا، كشاعر يُنشدُ «أبيات جميلة» من «الشِّعر المقدّس» ليجسّد منها أشخاصًا. يعكس كل منّا صورة فريدة عن الله.
فلنسجد لميلاده مترقّبين ظهوره الإلهي. فلنقترب منه أكثر كل يوم، لنصير «قنوات» لنعمة المحبّة والخدمة لكل مَن حولنا. حاملين قضيّة الضعفاء وشهداء الميلاد. آمين.