Рет қаралды 3,241
الوجوه الستة في تأويل لفظ حديث (لم يعملوا خيرا قط)
قال فضيلة الشيخ الدكتور صالح بن عبد الله بن حمد العصيمي-حفظه الله-:
وهذه الجملة من قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي سعيد الخدري: (فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط) مما أشكلت عند أهل العلم ، لمباينتها للأدلة الظاهرة من الكتاب والسنة وإجماع السلف على أن العمل من جملة الإيمان ، وسبق تقريره في شرح أصول الإيمان من كتاب الإبانة الكبرى لابن بطة ، والمتحصل من إدمان النظر وإجالة الفكر في هذه الجملة ، الجواب عنها من ستة وجوه:
#أحدها: أن عمل الخير المنفي هو العمل الزائد عما ثبت به إيمانهم ، إذ لا بد من حظ من العمل يتحقق به الإيمان ، وهذا المعنى غير مستبعدة إرادته-حملا على الأدلة الأخرى- ، لأنه يقطع ههنا بأنه في قوله (لم يعملوا خيرا قط) بإمتناع تجويز كونهم مشركين ، فلا يمكن أن يقول أحد عرف التوحيد وأدلته أن هؤلاء الذين يخرجون ولم يعملوا عملا-أو خيرا- قط أنهم قوم مشركون! ، وهذا النفي يمكن أن يكون مرادا في قوله (لم يعملوا خيرا قط) ، فإن المشرك لم يعمل خيرا قط ، فكل ماله من عمل يجازى به في الدنيا ، لكن أهل العلم مجمعون أن هذا الحديث في الموحدين ، فإذا جاز اثبات شرط الاسلام لهم كان من جملة ما يثبت معه إثبات قدر من العمل تبعا للأدلة الأخرى.
#والثاني: أن يكون معنى قوله (لم يعملوا خيرا قط) أي على وجه الكمال والتمام ، بل عملوا عملا ناقصا ، والعرب تجوز نفي الشيء إذا لم يكمل ، كقوله في حديث الرجل الذي لم يحسن صلاته (ارجع فصل فإنك لم تصل)-مع كونه أدى الصلاة- لكنها لما كانت ناقصة نفاها ، واختار هذا أبو بكر ابن خزيمة في (التوحيد) ، وأبو عمر ابن عبد البر في (الاستذكار).
#وثالثها: أن هؤلاء كان لهم عمل من الصالحات ، وأذهبته سيئاتهم ، فكأنهم لم يعملوا ، أي تسلطت عليه هذه السيئات فأزالته وأذهبته عند المحاسبة ، فكأنهم لم يعملوا خيرا قط.
#ورابعها: أن هذا الحديث يتعلق بباب القدر في الجزاء ، فإنه خبر عن جزاء قدره الله لبعض خلقه ، وخبر الشرع أن الإيمان لا بد فيه من عمل مقدم على موجب القدر.
#وخامسها: جواز أن يكون الحديث في حق من لم يكن من هذه الأمة ، أما هذه الأمة فإنها مضطرة في تصحيح إيمانها إلى وجود العمل.
#وسادسها: أن الحديث في حق من له عذر يمنعه ، وهذا هو المشهور عند مشايخنا ، كابن عثيمين-رحمه الله- ، وابن فوزان-رحمه الله وحفظه الله وأمد في عمره- ، لكنهما اختلفا في تعيين العذر المانع من العمل:
فاختار ابن عثيمين-رحمه الله أن العذر المانع من العمل هو عدم معرفة العبد به-وهي الحال التي يكون عليها الناس إذا درس الاسلام ولم يبق إلا لا إله إلا الله كما في حديث حذيفة.
-واختار الشيخ صالح بن فوزان أن المانع: هو عدم تمكن العبد من العمل ، فيكون ناطقا بالشهادة بصدق لكن لم يتمكن من العمل لاخترام المنية له بالموت والقتل.
وهذه الوجوه الستة من أمتع ما سمعتَ في هذا المجلس ، لشدة الحاجة إليها ، فاحرص على وعيها وادراكها ، واعلم أن مثل هذه المسائل من المسائل التي لا ينبغي لمن لم تسرخ قدمه في العلم أن يترشح للقطع فيها والكلام دون ملاحظة قول أهل السنة والجماعة ، ورد ذلك إلى أصولهم ، فإن كون العمل من الإيمان أصل عظيم عند أهل السنة والجماعة ، ودواوين الاعتقاد المسندة مليئة بتقرير هذا الأصل ، فما أشكل عليه وجب رده إلى المحكم من الباب ، ومن لم يعقل معناه وجب أن يرده إلى العلماء منهم وما يجري على قواعد أهل السنة وأصولهم ، وهي الوجوه الستة التي ذكرتها لك.
والمتكلمون في هذه المسألة ليسوا على حد سواء فمنهم:
-طائفة زائغة تتبع المتشابه: وهؤلاء هم الذين قصدهم شيخنا ابن فوزان في مسائل الإيمان فأغلظ لهم القول ، وأن هؤلاء زائغون يتبعون المتشابه.
-وطائفة أخرى مجتهدة تريد الحق من أهل السنة والجماعة فتكلموا بما تكلموا به.
وإذا أردت السلامة فعليك بغرز العلماء ، والزم طريقة العلماء الراسخين ، واذا اختلفوا فعليك بجمهورهم وسوادهم ، وهذا آخر البيان على هذه الجملة.