Рет қаралды 9,709
(لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسَّائِلِينَ) أي لقد كان فى قصة يوسف وإخوته لأبيه عبر أيما عبر دالة على قدرة الله وعظيم حكمته وتوفيق أقداره ولطفه بمن اصطفى من عباده، وتربيته لهم، للسائلين عنها الراغبين فى معرفة الحقائق والاعتبار بها، فإنهم هم الذين يعقلون الآيات ويستفيدون منها.
تأمل: تر أن إخوة يوسف لو لم يحسدوه لما ألقوه فى غيابة الجب، ولو لم يلقوه فيها لما وصل إلى عزيز مصر، ولو لم يعتقد العزيز بصادق فراسته أمانته وصدقه لما أمّنه على بيته ورزقه وأهله، ولو لم تراوده امرأة العزيز عن نفسه ويستعصم منها لما ظهرت نزاهته ولو لم تفشل فى كيدها وكيد صويحباتها لما ألقى فى السجن، ولو لم يسجن ما عرفه ساقى ملك مصر وعرف صدقه فى تعبير الرؤيا وإرشاد ملك مصر إليه فآمن به وجعله على خزائن الأرض، ولو لم يتبوأ هذا المنصب ما أمكنه أن ينقذ أبويه وإخوته وأهله أجمعين من الجوع والمخمصة ويأتى بهم إلى مصر فيشاركوه فيما ناله من عز وبذخ ورخاء عيش ونعيم عظيم، وما من مبدإ من هذه المبادئ إلا كان ظاهره شرا مستطيرا، ثم انتهى إلى عاقبة كانت خيرا وفوزا مبينا.
فتلك ضروب من آيات الله فى القصة لمن يريد أن يسأل عن أحداثها الحسية الظاهرة وعلومها الباطنة كعلم يعقوب بتأويل رؤيا يوسف وعلمه بكذبهم فى دعوى أكل الذئب له، ومن شمه لريح يوسف منذ فصلت العير من أرض مصر ذاهبة إلى أرض كنعان، ومن رؤية برهان ربه، ومن كيد الله له ليأخذ أخاه بشرع الملك، ومن علمه بأن إلقاء قميصه على أبيه يعيده بصيرا بعد عمى بقي كثيرا من السنين.
(إِذْ قالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ) أي إن فى شأنهم لعبرة حين قالوا: ليوسف وأخوه شقيقه بنيامين أحب إلى أبينا منا فهو يفضّلهما علينا بمزيد محبة على صغرهما وقليل نفعهما، ونحن رجال أشداء أقوياء نقوم بكل ما يحتاج إليه من أسباب الرزق والكفاية.
(إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) أي إن أبانا لقد أخطأ فى إيثاره يوسف وأخاه من أمه علينا بالمحبة، وهو قد ضل طريق العدل والمساواة ضلالا بيّنا لا يخفى على أحد، فكيف يفضّل غلامين ضعيفين لا يقومان له بخدمة نافعة على العصبة أولى القوة والكسب والحماية عن الذمار.
وفى الآية من العبرة وجوب عناية الوالدين بمداراة الأولاد وتربيتهم على المحبة واتقاء وقوع التحاسد والتباغض بينهم واجتناب تفضيل بعضهم على بعض بما يعده المفضول إهانة له ومحاباة لأخيه بالهوى.
(اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً) أي قال إخوة يوسف بعضهم لبعض: اقتلوا يوسف حتى لا يكون لأبيه أمل فى لقائه، أو انبذوه فى أرض بعيدة عن العمران بحيث لا يهتدى إلى العودة إلى أبيه إن هو سلم من الهلاك.
(يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صالِحِينَ) أي يخل لكم وجه أبيكم من شغله بيوسف فيكن كل توجهه إليكم وكل إقباله عليكم، بعد أن تخلو الديار ممن يشغله عنكم أو يشارككم فى عطفه وحبه وتكونوا من بعد قتله قوما صالحين تائبين إلى الله مصلحين لأعمالكم بما يكفّر إثمها مع عدم التصدي لمثلها، وبذا يرضى عنكم أبوكم ويرضى عنكم ربكم.
(قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ) الجب: البئر غير المبنية بالحجارة، وغيابته: ما يغيب عن رؤية البصرمن قعره، والسيارة جماعة المسافرين الذين يسيرون فى الأرض من مكان إلى آخر للتجارة أو غيرها.
أي قال قائل منهم وهو روبين: لا تقتلوا يوسف وألقوه فى قعر البئر حيث يغيب خبره فيلتقطه بعض المسافرين ويأخذوه إلى حيث ساروا فى الأقطار البعيدة، وبذا يتم لكم ما تريدون، وهو إبعاده عن أبيه إن كنتم فاعلين ما هو المقصد لكم بالذات، إذ لا شك أن قتله لا يعنيكم لذاته، فعلام تسخطون خالقكم باقتراف جريمة القتل والغرض يتم بدونها وجاء فى سفر التكوين من التوراة أن روبين مكربهم إذ كان يريد إخراجه من الجب وإرجاعه إلى أبيه فإنهم وضعوه فى بئر لا ماء فيها، فمرت بها سيارة من تجار العرب مسافرة إلى مصر، فاقترح عليهم يهوذا إخراجه وبيعه لهم، إذ لا فائدة لهم من قتله وهو من لحمهم ودمهم ففعلوا.