وراء اشجار كتامة

على بعد عدة كيلو مترات من مركز تارودانت، وسط محيط غابوي كثيف، بنى صالح مرزوق منزلا فخما لا يمكن الوصول إلى ذلك المكان إلا باستعمال السيارات الرباعية الدفع أو الدواب.
حكايات كثيرة راجت عن ذلك السكن، وعن الذي يجري فيه.
يقال إن صلاح من أكبر تجار الحشيش، وإن له زبائن في العديد من الأقطار، ويقال أيضاإن صلاح تخلى عن الإتجار في المخدرات منذ سنوات عديدة، وإنه صار يستثمر في العقار في مدن كالدار البيضاء وطنجة.
وبينما يقوله هؤلاء وأولئك، يرى البعض أن صلاح الذي لا يعرفه شخصيا إلا قلة من الناس، ما زال يستقبل الكثير من الضيوف في سكنه ذاك.
في إيساجن، الذين أدمنوا الجلوس في المقاهي، يعرفون كل السيارات التي يبعث بها لاستقبال ضيوفه من المغاربة والأجانب، ونقلهم إلى منزله، ذاك الذي يتصوره كثيرون، عالما قائما بذاته، وحيث يظنون، تبرم الصفقات والاتفاقات.
المتقدمون في السن وحدهم يعرفون ماضي صلاح مرزوق، إبن المزارع البسيط الذي صار غنيا، يعلمون أنه أمضى سنوات فاقت ال25 مهاجرا في ألمانيا، وأن أساس ثروته تلك مدخراته من تلك السنوات.
من يصدق تلك الرواية؟ولكن الصلاح الذي لا ينكر مواقفه الفقراء من القرى المجاورة لم يتم القبض عليه مرة في قضية تجار في المخدرات، ولكن في العام سبعة و2000 سيحدث ما يجعل الشبهة تتقوى من حوله.
في مارس من ذلك العام، ليلى السابع منه انقلبت سيارة رباعية الدفع كانت قادمة من فاس قبيل وصولها الى ثلاثاء كتاما الذين عاينوا الحادثة، حيث أصيب السائق بجروح بليغة، قالوا إن أحدهم استولى على كيس ملئ أوراق نقدية، كان في السيارة ثم اختفى.
نقل السائق إلى المستشفى، وسريعا تم نقل حطام تلك السيارة إلى مستودع ملحق بمنزل صلاح، و لكن الحديث إسترسل حول تلك الحادثة و كيس الأوراق النقدية الذي اختفى.
ثم شاع أن الحادثة كانت مدبرة، وأن أناسا بينهم، وصلاح خصومة قديمة كانوا وراءها.
من منزله الذي لا يبعد عن ثلاثاء كتاما، كان حميد الكاملي يتابع ما يروج من حديث حول ذلك الموضوع، يعرف عنه أنه قليل الكلام.
قبل سنوات كانت قد نشبت بينه وصلاح عداوة بسبب قضية حدود قطعتين أرضيتين لهما متجاورتين، ولكن المسألة سويت وطوي الملف، ولم يعد أحد يتحدث عنه، بل إن الرجلين.وأعلن الصلح بينهما بحضور رجال من المنطقة يحظون بثقة وإحترام الطرفين.
ثم فجأة، اختفى حميدو من المشهد.
ولم يعلم أحد بالوجهة التي أخذها الرجل الذي كان يقول ومنذ عدة سنوات، إنه في ال60 من العمر.
ما لم يعلمه الجميع أن نحمدو اختفى بعد أن جاءته مكالمة هاتفيه.
قال صهره حمادي الذي يعده كثيرون أمين أسراره، إنه اختفى بعد أن قال إنه على موعد مع أحدهم في إيساجن.
لم يذكر شيئا عن الشخص الذي مضى للقاء به.
لم تكن المرة الأولى التي يغيب فيها حميدو عن منزله، ولعدة أيام، وكان غالبا ما يمضي إلى أقرباء له في تطوان، ولكن الذي يقلق زوجته وابنته الوحيدة هذه المرة أنه لم يبلغ تطوان.
بعد أسبوع، جاء أحدهم عند صهره، يبلغه بأن صهره في أمان، و أنه لكي يعود، يتعين عليهم إعادة أمانة يحتفظ بها عنده.
لم يكن الرجل يعرف طبيعة تلك الأمانة، و لم يوضح المرسول ما الذي يعنيه بالأمانة في النهاية، فإنما إستخلصه صهر حميدو أن أبا زوجته يوجد محتجزا لدى أناس لا يعرفهم.
الشخص الذي جاء موفدا ممن يحتجزونه، لم يكن مخولا له الحديث في التفاصيل، وقد طلب منه أن يتم التحدث مباشرة مع حميدو ليبين لهم ما يعنيه بالأمانة.
عم الصمت يومين، وفي اليوم الثالث عاد المرسول ليقول إنه يتعذر الحديث مباشرة إلى حميدو، وإنما يعنيه بالأمانة كيس من القنب يحتفظ به، حيث يضع عادة الأشياء التي تخصه.
وعد سهر حميدو بالبحث وطلب من الرجل أن يعود في الغد.
في تلك الليلة، استدعى حمادي رجالا من ثلاثاء كتاما، ومداشر قريبة منها، يعلمهم حلفاء لصهره، كما استدعى أخوال زوجته من ترجيست دام اللقاء حتى الفجر.
وقد علموا أن حليفهم يوجد محتجزا لدى طرف يطالب بأمانة لا أحد يعلم طبيعتها، وأن الذين يحتجزونه لم يمكنوه من الهاتف حتى يبين المطلوب.
في أثناء النقاش الذي دار حول الموضوع، نبش بعضهم في العداوة القديمة بين حميدو و صالح مرزوق، و لم يستبعدو أن يكون صلاح من يحتجزه.
و لكن الذين لم يستبعدو رواسب تلك العداوة القديمة بين الرجلين لم يجدوا تفسيرا للمقصود بالأمانة.
في الغالب الأعم لا يقصد بهذا المصطلح سوى المال.
والمعروف أن حميد الكامل لم يكن بحاجة ليقترض من صلاح أو غيره.
قبل أن ينفض الجمع، تم الإتفاق على أن يعمل كل بوسائله على إستقصاء حقيقة إختفاء حميدو وصولا إلى تحديد من يحتجزه.
انعقاد مثل ذلك الاجتماع في منزل حميدو، لم يكن ليمر دون ان يثير الانتباه، وطبيعي ان ينتهي الخبر الى صلاح، وان يبلغ بان مما راج في ذلك الاجتماع ان اختفاء حميدو وراءه شيء من مخلفات تلك العداوة القديمة التي كان الخصمان قد أعلن عن دفنها وتسوية نزاعهما، ولذلك بادر صلاح إلى إيفاد من يبلغ عائلة حميد بأنه بريء من احتجازه.
وأنه ينفي جملة وتفصيلا ما قيل أكثر من ذلك، وعد الرجل بالمساعدة على كشف من يحتجزه.
كانت رسالة مطمئنة، ولكنها لم تكن كافية لتبديد كل شكوك.
بعد ثلاثة أيام، اتصل أحدهم بحمادي، صهر حميدو وأبلغه بأن صهره محتجز في بيت في ثلاثاء كتاما.
كان الخبر غريبا، وقال الذي اتصل إنه سيثبت قريبا صحة ما يقوله.
كانت الأمور تدور حتى تلك اللحظة في دائرة مغلقة، ولكن عائلة حميد لوحت بأنها إذا ما لم يصلها ما يطمئنها على صحة الرجل، فإنها ستلجأ إلى وسائل أخرى.
كان التهديد الذي أطلقته يحتمل قراءات متعددة في نظر من وجه إليهم، ومنهم صلاحيعرف حمادي أن لصهره أعداء آخرين غير صلاح و منهم رجل من ثلاثاء كتامة يدعى عياد.
و يعلم أن لهذا الرجل في الجبل بعيدا عن ثلاثاء كتاما سكن قديم ورثه عن آبائه ولا يستعمله إلا لتخزين محاصيل الكيف ومحاصيل أخرى.
وقد خطر ببار حمادي أن ينظم رحلة إلى ذلك المكان الذي يبدو أغلب الوقت كمنزل مهجور.
أبلغ الخبر رجلين يعتبران ممن يثق فيه محميدو، و تقرر أن يتوجهو إلى ذلك المنزل فجرا.
أكمل القصة من الفيديو اعلاه.