ولكن أنفسهم يظلمون (نظائر قرآنية) وصف القرآن الكريم المخالفين لشرعه والمتعدين لحدوده بأنهم ظالمين لأنفسهم، وعبر عن هذا الوصف بأسلوبين: أحدهما: استعمل فيه لفظ الكينونة (كانوا)، وذلك في سبع مواضع في القرآن، من ذلك قوله تعالى: {وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون} (البقرة:57). ثانيهما: جاء التعبير القرآني فيه خلوا من لفظ الكينونة (كانوا)، وذلك في موضع واحد فقط، هو قوله سبحانه: {وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون} (آل عمران:117). فهل ثمة من فرق بين الأسلوبين؟ لم يتعرض المفسرون - فيما رجعنا إليه - إلى أي فرق يذكر بين هذين الأسلوبين، ولهذا دلالة لا شك في ذلك. لكن من المقرر عند كثير من أهل العلم أن تغيير الأسلوب القرآني، بتقديم كلمة أو تأخيرها، وبحذف كلمة أو إثباتها، ونحو ذلك من أنواع التغيير لا بد أن يكون لمعنى، قد يبدو للناظر بأدنى تأمل، وقد يحتاج إلى فضل جهد ونظر. وقد يفتح فيه لبعض، ويغلق عن آخرين. و{ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء} (المائدة:24). وتأسيسا على هذا، وجدنا بعض أهل العلم المعاصرين يذكرون فرقين بين هذين الأسلوبين، نلخصهما فيما يأتي: الأول: أن حذف فعل الكينونة (كانوا) من قوله تعالى: {ولكن أنفسهم يظلمون}، يفيد أن ظلم هؤلاء لأنفسهم لن يكون في الخفاء وفي السر، بل يكون صراحة وفي العلن، بحيث أن ظلمهم - ولا سيما لأنفسهم - سيكون علنيا، إلى درجة أنه لن يكون هناك حاجة للتصريح به؛ لأن الآية لا تتحدث عن (ظلم) للنفس مضى وانتهى، وإنما تتحدث عن (ظلم) للنفس مستقر ومستديم في النفوس، والجميع سيرونه وسيدركونه. الثاني: أن الآيات التي ورد فيها لفظ الكينونة (كانوا) أغلبها ورد في وصف أهل الكتاب، ومن كان على شاكلتهم، وسياقها يفيد أن الذين أوتوا الكتاب بعد أن وصلوا بما أنزل إليهم من الكتب إلى الهداية فترة من الزمن، زاغوا بعد ذلك عن هذه الهداية، ووقعوا في الكفر والضلال، بمعنى أنهم لم يكونوا ظالمين بداية لأنفسهم، بل (الظلم) كان طارئا عليهم بعد أن اهتدوا؛ لذا كان من المناسب استعمال فعل الكينونة (كانوا) في حقهم؛ لإيضاح هذا الأمر. أما الآية التي خلت من فعل الكينونة (كانوا) فقد وردت في سياق ذم الكفرة المشركين، وهم من بداية أمرهم كانوا ظالمين لأنفسهم؛ لذا كان من المناسب الاستغناء عن فعل الكينونة، ولم يكن ثمة حاجة إلى أي تقييد، ولا إلى أي إيضاح. وبعد: فلا تحسبن ما ذكر هنالك من فروق بين هذين الأسلوبين هو القول الفصل، بل هو نظر قابل للأخذ والرد، وأنت بعد في سعة من الأمر في قبول ذلك أو رده.