Рет қаралды 276,136
لمتابعة مع تميم
/ ajplussaha
تميم البرغوثي | مع تميم - الربابنة والمجذفون
الربابنة والمجذفون
*****
تصوروا معي سفينة قديمة، المجذفون مقيدون إلى المجاذيف في أسفلها، والربابنة في الأعلى على سطحها. تصطدم السفينة بصخرة، وتبدأ في الغرق. الربابنة، الذين ورثوا السفينة عن أجدادهم، ينقسمون فريقين. فريق يائسون من إصلاح السفينة بعد الاصطدام، فهم يدعون إلى تكسير أجزاء منها تكفي لعمل أطواف صغيرة يتعلق بها الجميع ثم تشعل النار في ما يتبقى من هيكلها لتراها سفن الآخرين فتأتي لنجدتها، وفريق يصرون على أن إصلاح المكسور من السفينة هو السبيل الوحيد لبقائها طافية على الماء، وهم واثقون في خشب سفينتهم القديمة أكثر من ثقتهم في سفن الآخرين ونوايا ربابنتها. وكلما قام الفريق الأول بفك قطعة من السفينة، قام الفريق الثاني بتثبيتها، والعكس بالعكس، فلا السفينة تصلح، ولا الأطواف البديلة تصنع، ولا نار الاستغاثة تشعل. ويستمر الفريقان في الشجار والسفينة في الغرق، ولا يفكر أي من الفريقين في استشارة المجذفين المقيدين في قاع السفينة، ناهيك عن التفكير في فك قيودهم.
إن لعبة الكراسي الموسيقية حول بحيرة الملاحم المسماة بالأبيض المتوسط هذه لم تتوقف منذ آلاف السنين، كان الأتراك في بودابست والعرب في بواتييه والفرنسيون في دمشق والبريطانيون في القدس، لكنها كانت لعبة نخب وخواص، لا حركة حرة لعامة الناس، كانت حركة ربابنة أكثر منها حركة مجذفين. في العصور الأولى لم يكن الناس يتحركون بأعداد كبيرة، لأن السفر مكلف لا يقدر عليه إلا الأغنياء، أما الفقراء، فلا يتحركون إلا زحفاً في الجيوش، وفي الحالين تكون العلاقة بين الوافد الغني أو الغازي، والمقيم الفقير أو المغزو، غير ندية، فتنتفي إمكانية التلاقي الصحي بلا غالب ولا مغلوب. أما في العصور الحديثة، فقد صعب التلاقي الثقافي الصحي بين شاطئي البحر التاريخ الاستعماري بينهما وتسلط شماله على جنوبه، ثم نظام الدول القومية والقطرية الذي يحكم العالم، وهم نظام عنصري يفرق بين الناس على أساس المكان الذي يحملون جواز سفره، فيكون فلان أكثر حقوقاً وحرية من علان، حتى لو كان أخاه من أبيه وأمه، لأن هذا يحمل جنسية أفضل وأكثر مقبولية من ذاك.
وإنني أزعم أنه بسبب هذه الطبيعة النخبوية للحركة بين ضفتي المتوسط، تولد لدينا في جنوبه الانطباع أن التقدم يعني التغريب وأن التراث عبء وتخلف. لأن النخب المهزومة تمتلك ترف الانتماء لثقافة هازميها، وتعلم لغاتهم والعيش بينهم والتعاون معهم، أما العوام المغزوون في ديارهم، فليس لهم ذلك حتى وإن أرادوه، ولا خيار لهم غير التمسك بتراثهم راية يتجمعون حولها ومصدراً للتنظيم الأخلاقي والسياسي والعسكري. وبما أن اللغة لغة النخب، فهم يسمون خيار العامة تخلفاً، من باب التعالي عليه والخوف منه في ذات الوقت.
لذلك فإن التبادل الذي حصل في القرنين الماضيين على شاطئي المتوسط، كان تبادلاً بين نخبة غازية ونخبة مغزوة، بين ربابنة أوروبا المنتصرين وربابنة العرب المنهزمين، ولكن العلاقة بين المجذفين، العمال، والفلاحين، البشر الطبيعيين في الجنوب والشمال، لم تكن بهذه السهولة.
وقد نتج عن ذلك أيضاً أن النخب العربية كانت تعتقد أن عليها استيراد "أفضل" ما لدى أوروبا من جهة الإنتاج الثقافي، أي أنهم كانوا يريدون الإنتاج الثقافي لنظرائهم في أوروبا، فنخبنا يريدون التعلم من نخبهم لا من عامتهم، هم لا يريدون ثقافة الشعوب القاطنة شمال المتوسط، بل ثقافة حكامها. وإن من يتابع تاريخ المدارس الأدبية العربية في القرن العشرين يجد أن الحركات الأدبية الأوروبية كانت تصل إلينا بعد ثلاثين سنة أو يزيد من ظهورها في أوروبا، لأن النخب العربية ما كانت تنجذب لاتجاه أدبي أو فلسفي في أوروبا إلا بعد أن تنجذب إليه النخب الأوروبية وتقره. فالأفكار الثورية في أوروبا كان تنخل، تغربل وتمنع من العبور إلى جنوب المتوسط، إلى أن تقرها النخبة الأوروبية فتصبح هي الثقافة السائدة. بعبارة أخرى كانت الأفكار الثورية في أوروبا لا تستورد إلا بعد أن تكف عن كونها ثورية.
إن تبادل الثقافات بين العامة لا النخب سينتج أفكاراً ثورية يعتمد فيها كل على تراثه متعلماً من تراث الآخر، أما التبادل النخبوي، فينتج أفكاراً تلفيقية توفيقية لا تنفع لشيء
في قصيدة لي عن الشطرنج، يعلم الملكان أن السبيل الوحيد لبقائهما حيين هو أن يتآمرا لإفناء كافة القطع الأخرى فتنتهي اللعبة بالتعادل. فلو أن القطع الأخرى كان تقدر على التواصل، أو لو أنها أعادت رسم مربعاتها ليتسع كل واحد منها لقطعتين أو أكثر، لانقلبت قواعد اللعبة رأساً على عقب.
باختصار،على هذا البحر، شماله وجنوبه، أن يثق بمجذفيه، لأن أكثر ربابنته سيدفعوننا جميعاً إلى الغرق.
#مع_تميم
Tamim Al-Barghouti
لمتابعتنا على
/ ajplusarabi
/ ajplusarabi
موقعنا: ajplus.net/arabi