Рет қаралды 5,045
في المسألة اليهودية
"إن القومية الخرافية لليهودي هي قومية التاجر، إنسان المال بشكل عام"
كارل ماركس
تعرّض اليهود لعدّة قرون في أوروبا المسيحية إلى التحقير والإقصاء والتهجير أحيانا. حمّلتهم الكنيسة مسؤولية موت المسيح فكانوا ضحية عنصرية تآمرية، تعرّضوا لمجازر بشعة بشكل دوري بسبب تهم كيدية لا أساس لها من الصحة، فأُتّهموا بأنهم وراء انتشار وباء الطاعون الأسود الذي أودى بحياة ثلث سكان أوروبا، وأُتّهموا انهم وراء تفشي مرض الجُذام، وأُتّهموا أنهم يُسممون آبار شرب الماء، وأُتّهموا أنهم يقتلون أطفال المسيحيين ليُعِدّوا بدمائهم فطير عيد الفُصح اليهودي. في بداية القرن الثالث عشر ميلادي أصبح إقصاء اليهود عقيدة كنسية رسمية، حيث أصدر البابا إنوسنت الثالث Innocent III أمرا للممالك المسيحية يقضي بضرورة فرض شارة مميزة على اليهود، وهي دائرة صفراء، يضعونها على ملابسهم تميزهم عن المسيحيين. أُجبر اليهود على العيش في أحياء معزولة ومغلقة، تحاط عادة بأسوار عالية، وتغلق أبوابها في المساء، ويمنع على القاطنين داخلها الخروج أيام الأحد وفي الأعياد المسيحية. يُسمّى الحي اليهودي "بالجيتو"، وتعود التسمية إلى الحي اليهودي بمدينة البندقية الإيطالية الذي أقيم سنة 1516 ميلادي. طردهم الملك إدوارد الأول من انجلترا سنة 1290 ميلادي، ثم طُردوا من فرنسا سنة 1394 ومن النمسا سنة 1421 ومن مملكة نابولي سنة 1510 ومن دوقية ميلانو سنة 1597 ومن إسبانيا سنة 1492 ومن البرتغال سنة 1497. لكن لأسباب منفعية سيتراجع تدريجيا ملوك وأمراء أوروبا عن هذا القرار وسيسمحون لهم بالعودة إلى بلدانهم للقيام بوظائف محددة أهمها تأمين التجارة مع العالم الإسلامي في جنوب المتوسط الذي كان في قطيعة مع أوروبا المسيحية خاصة بعد الحروب الصليبية. لم يكن لليهود نفس حقوق سكّان البلدان التي يعيشون فيها، فلا يحق لهم تملّك الأرض أو العقارات، ولا يسمح لهم بالإنتماء إلى طبقة الفرسان والمحاربين لأن الإنتماء للنخبة العسكرية كان يقتضي أداء قسم الولاء المسيحي. كانوا يصنفون كغرباء، شأنهم في ذلك شأن كل المهمّشين مثل المتسولين ومرضى الجذام والمومسات، وكانوا يُعَدُّون ملكية خاصة للملك أو الأمير أو الإمبراطور الحاكم في البلاد وهو المكلّف بحمايتهم، وهو كذلك من يحدد لهم قائمة المهن والحرف التي يستطيعون مزاولتها مقابل ان يدفعوا له الضرائب مباشرة. فسُمح لهم بمزاولة مهنة التجارة، وأن يُقرضوا الأموال بفوائض، في حين حرّمت الكنيسة الكاثولكية الربا على المسيحيين، لكن ذلك لم يمنع العديد من المسيحيين خاصة من طبقة النبلاء من توظيف التجار اليهود للقيام بعمليات ربوية بأموالهم وتحقيق أرباح طائلة على حساب الفلاحين والمزارعين الفقراء، ولنا في شخصية المرابي اليهودي شايْلُوك في مسرحية تاجر البندقية لشكسبير الصورة النمطية لليهودي في المجتمع الإنجليزي خلال القرن السادس عشر. كان أمراء وملوك أوروبا المسيحية يقومون بتوظيف اليهود في مصالح جمع الضرائب والرسوم، وعندما يواجهون تمرّدا من رعاياهم يوجهون غضبهم تجاه اليهود. تحوّل اليهودي في القرون الوسطى، بإعتباره الحلقة الأضعف إجتماعيا، إلى كبش الفداء النموذجي. يقدّم المفكر المصري عبد الوهاب المسيري أطروحة استلهمها من أعمال كارل ماركس وماكس فيبر حول المسألة اليهودية مفادها ان اليهود شكّلوا في المجتمع الإقطاعي الأوروبي جماعة وظيفية وسيطة، ويعرّف الجماعة الوظيفية بأنها جماعة يستوردها المجتمع من خارجه أو يجنّدها من داخله، لتقوم بوظائف لا يضطلع بها أعضاء المجتمع، ولهذه الجماعة الهامشية علاقة نفعية تعاقدية مع المجتمع، وليست جزءا من نسيجه. ويتم عادة تمييز أعضاء الجماعة الوظيفية عن طريق اللغة أو العقيدة أو الإنتماء الإثني، أو اللباس.
لكن مع نشأة نمط الإنتاج الرأسمالي وتراجع نمط الإنتاج الإقطاعي في أوروبا الغربية شهدت وضعية الجماعات اليهودية في المجتمعات الأوروبية تحولات عميقة، فمع ظهور البنوك سينتهي احتكار العنصر اليهودي لوظيفة المرابي بشكلها التقليدي لتصبح وظيفة رئيسية للبرجوازية الرأسمالية الصاعدة. في الأثناء ستتمكن عائلات يهودية غنية مثل عائلة روتشيلد من التأقلم مع النظام البنكي الجديد وتحقيق أرباحا طائلة، لتصبح هذه البرجوازية ذات الأصول اليهودية جزء لا يتجزّء من البرجوازية الرأسمالية الصاعدة. في حين ستفقد أغلبية الجماعات اليهودية مهامها الوظيفية وهو ما سيضطرّها إلى الهجرة نحو روسيا و بلدان أوروبا الشرقية أين مازال يهيمن نمط الإنتاج الإقطاعي.
الأستاذ نجيب البكوشي/باحث وكاتب تونسي