الخطبة الثانية : الحمد لله القائل ﴿وكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ﴾ والصلاة والسلام على الرسول القائل «إِنَّ مِنْ شِرَارِ أُمَّتِي الَّذِينَ غُذُّوا بِالنَّعِيمِ ,وَنَبَتَتْ عَلَيْهِ أَجْسَامُهُمْ، الَّذِينَ يَأكُلُونَ أَلْوَانَ الطَّعَامِ، وَيَلْبَسُونَ أَلْوَانَ الثِّيَابِ، وَيَتَشَدَّقُونَ بِالْكَلامِ »صَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ. أما بعد فَاتَّقُوا اللهَ ـ عِبَادَ اللهِ وَاهتَدُوا بِهَدْيِ خَيْرِ العِبَادِ ﷺ الَّذِي دَعَا إِلَى الْبُعْدِ عَنْ مَظَاهِرِ الإِسْرَافِ والهدر في الغذاء﴿وَمَن يُطِعِ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّـهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾ احذوا الاسراف والهدر في الغذاء اقتصدوا واحسنوا جوار نعم الله فإنها قل أن رحت عن قوم ثم عادت إليهم لماذا تمد هذه الصحون وتلك السفر وكل يعلم إنها لن يؤكل منها إلا أقلها لما لا يرشّد في الطعام ولماذا لايتوصى بذلك يقول ﷺ «طَعَامُ الاثْنَيْنِ كَافِي الثَّلاثَةِ، وَطَعَامُ الثَّلاَثَةِ كَافِي الأَرْبَعَةِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. يَقُولُ الْحَسَنُ الْبَصْرِىُّ رَحِمَهُ اللهُ: إِنَّ اللهَ لِيُمَتِّعُ بِالنِّعمَةِ مَا شَاءَ، فَإذا لَمْ يُشْكَرْ عَلَيهَا قَلَبَهَا عَذَابًا. احسنوا بقية الطعام وليتصدق به، فإن لم يجد فليحفظ فيما أنعم الله به علينا من وسائل التبريد ثم يسخن ويقدم في المساء ليتربى الجيل على ذلك ربوا ابنائكم على أن ينهي أحدهم طعامه فإذا بقي منه بقية فيأمر بحفظه وليحرم من طعام آخر حتى يأكله، اجعلوا فسح أبنائكم الصغار وشطائرهم في المدارس مجزأة قسمين أو ثلاثة فيأكل ما يشبعه ويرجع الباقي لأهله ما زاد من طعامكم مما لا يأكله أدمي فليكرم وليوضع في مكان لا يوطأ فيه يأكل الطير والدواب، بعيداً عن طريق المسلمين وبيوتهم وأعلموا أن الاسراف والترف يُنبِتُ في النفوس الجُبن، والخَوَرِ، وقلَّةِ الأمانة، وشِدَّةِ التعلُّقِ باللذَائِذ من العيش، ويُقوِّي الحِرصَ على الحياة، ويُبعِدُ عن مواقِع البذل والفِداء والعطاء، ففي الحديث الذي صَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ يقول ﷺ:«مَا مَلأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلاَتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ فَإِنْ كَانَ لاَ مَحَالَةَ فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ» وَقَالَ ﷺ «المُؤْمِنُ يَأْكُلُ فِي مِعًي وَاحِدٍ، وَالكَافِرُ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. هذا وصلوا
@فلاحالمخلد Жыл бұрын
الخطبة الأولى الحمد لله العليِّ القدير، أبدعَ الخلقَ وأحكمَ التدبير، أحمده سبحانه وأشكرُه على فضلِه العميم وخيرِه الوَفير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له المُلكُ وله الحمدُ يُحيِي ويُميت وهو على كل شيءٍ قدير، وأشهد أن سيدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه البشيرُ النذير، والسراجُ المُنير، صلَّى الله وسلَّم عليه وعلى آله وأصحابِه والتابعين، ومن على طريق الحقِّ يسير، وسلَّم التسليمَ الكثير. أَمَّا بَعدُ، فَأُوصِيكُم أَيُّهَا النَّاسُ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُستَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُم عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُم وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ ﴾ عباد الله شُكرَ الله سبحانه برهانُ عبادتِه وهو عبادة قال الله تعالى: ﴿وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾ فالشكر قيدُ النعم الموجودة، وصيدُ النعم المفقودة، مفتاح الزيادة، وطريق السعادة، الشكرُ أزكى مقالٍ، ولشوارد النعمة أوثق عقالٍ، النِّعَمُ إنْ شُكِرت قَرَّت، وإن كُفرت فرَّت، ولقد امتن الله علينا في هذه البلاد المباركة بنعم كثيرة، وعطايا جزيلة، يتقلب فيها الناس ليلا ونهارًا، رغد في العيش وسعة في الرزق، كل ذلك بفضل من الله تبارك وتعالى. وآفة هذه النعم ياعباد الله التبذير فيها والإسراف بها، فمِنْ طَبِيعَةِ الْبَشَرِ التَّوَسُّعُ فِي النَّفَقَاتِ، وَالْمُبَالَغَةُ فِي الِاسْتِهْلَاكِ، وَهَدْرُ الْأَمْوَالِ عِنْدَ أَوَّلِ شُعُورٍ بِالثَّرَاءِ وَالْيَسَارِ، وَقَدْ جاءَ فِي الْقُرْآنُ أَنَّ مِنْ طَبِيعَةِ الْإِنْسَانِ السَّرَفَ عِنْدَ الْجِدَةِ، وَتَجَاوُزَ حُدُودِ الْقَصْدِ وَالِاعْتِدَالِ: ﴿كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى﴾ ﴿وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ﴾ وإِنَّ العَاقِلَ ليَحكُمُهُ قَبلَ عَقلِهِ إِيمَانُهُ وَيَقِينُهُ، إِيمَانُهُ بِأَنَّهُ مُستَخلَفٌ عَلَى مَا في يَدِهِ، وَيَقِينُهُ أَنَّ مُلكَهُ لِمَا يَملِكُ ، لَيسَ مُلكًا مُطلَقًا يُسَوِّغُ لَهُ التَّصَرُّفَ فِيهِ دُونَ حُدُودٍ تَردَعُهُ وَلا ضَوَابِطَ تَمنَعُهُ . يقول سبحانه ﴿ وَلا تُفسِدُوا في الأَرضِ بَعدَ إِصلاحِهَا﴾ وَقَالَ سُبحَانَهُ ﴿ وَكُلُوا وَاشرَبُوا وَلا تُسرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ المُسرِفِينَ﴾ ومن الإسرافِ الإسرافُ في الطعام والشراب وهو سببُ كلِ بلاء وموجوبُ كل نقمة ومزيلُ كل نعمة أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ أَيُّهَا المُسلِمُونَ، فهذا نبي الله ﷺ يجد تمره ملقاة على الطريق فيأخذها ويقول لولا أني أخشى أن تكون من الصدقة لأكلتها وهو القائل ﷺ "إذا سقطت لقمة أحدكم فليمط عنها الأذى وليأكلها ولا يدعها للشيطان" رواه مسلم فلْنَحذَرْ عباد الله أَفعَالَ المُترَفِينَ؛ فإنها من أسبابِ سخطِ اللهِ تعالى، وفقدانِ الأمنِ الذي لا حياةَ إلا به، لْنَحذَرْ أَفعَالَ المُترَفِينَ فَإِنَّهَا مِن أَسبَابِ هَلاكِ البُلدَانِ وَتَدمِيرِهَا، قال عزَّ شَأنُهُ ﴿ وَلا تُطِيعُوا أَمرَ المُسرِفِينَ . الَّذِينَ يُفسِدُونَ في الأَرضِ وَلا يُصلِحُونَ ﴾ وَقَالَ تَعَالى ﴿ وَإِذَا أَرَدنَا أَن نُهلِكَ قَريَةً أَمَرنَا مُترَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيهَا القَولُ فَدَمَّرنَاهَا تَدمِيرًا﴾ وَقَالَ سُبحَانَهُ ﴿ وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَريَةً كَانَت آمِنَةً مُطمَئِنَّةً يَأتِيهَا رِزقُهَا رَغَدًا مِن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَت بِأَنعُمِ اللهِ فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الجُوعِ وَالخَوفِ بِمَا كَانُوا يَصنَعُونَ﴾ إِنَّ صَنَادِيقَ القُمَامَةِ أجلكم الله ليرى فيها مايندى له الجبين من مأكولات ومشروبات حتى إنها لتراها وقد تغير لونها من زيوت الطعام والمشروبات التي أصحبت عياذاً بالله دليلاً على كفران النعم وسرف بها بَعَثَتهُ المُبَاهَاةُ وَالتَّقلِيدُ ، وَدَعَت إِلَيهِ المُفَاخَرَةُ وَالمُكَاثَرَةُ ، في سرف وبذخ لا يرضاه الله وتأبها الفطر السليمة، أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ أَيُّهَا المُسلِمُونَ، وفي دراسة حديثة أجرتها الهيئة العامة للأمن الغذائي جاء فيها أن نسبة الفقد والهدر في المملكة العربية السعودية بلغت 33.1% وبتكلفة مالية بلغت 40 مليار ريال، ألا فاعلموا رحمكم الله أن الإنسان كلما تنعم بالطيبات في الدنيا قَلَّ نصيبه في الآخرة. روى الحاكم عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: قال رسول الله ﷺ "إِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ شِبَعًا فِي الدُّنْيَا أَكْثَرُهُمْ جُوعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ".ورواه ابن أبي الدنيا وزاد: فما أكل أبو جحيفة ملءَ بطنه حتى فارق الدنيا. والحديث صححه الألباني وجاء في تفسير قول الله تعالى ﴿ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُون ﴾ قول عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ لَو شِئْت لَكُنْت أطيبكُم طَعَاما وألينكم لباساً وَلَكِنِّي أستبقي طَيِّبَاتِي . فاللهم ارحمنا برحمتك بارك الله لي ولكم