Рет қаралды 24,129
إن هذا البحث يتناول امتداد العقيدة الأشعرية على مستوى المذاهب الفقهية الأربعة, رحم الله أئمتها وعلماءها ومقلديها, ويستعرض بعض نصوصهم في تقرير بعض مسائل العقيدة الأشعرية, وينفي عنهم تهمة مخالفة أئمة مذاهبهم الفقهية في العقيدة.
لقد عاش الأئمة الأربعة في مدة امتدت منذ ولادة أقدمهم, وهو الإمام أبو حنيفة النعمان بن ثابت عام 80 هـ, إلى وفاة آخرهم, وهو الإمام أحمد بن حنبل عام 241 هـ.
وخلال هذه المدة ظهرت بدع عقدية, وتبنتها فرق ضالة, فتصدى لهم أولئك الأئمة وغيرهم من أئمة السلف بالرد والبيان, والحجة والبرهان, فاتضحت الطرق, وتبينت السبل, واندرست تلك الفرق الضالة, وارتفع منار أهل السنة والجماعة.
وكان من أبرز العلماء الذين نصروا عقيدة أهل السنة والجماعة الإمام أبو الحسن الأشعري, فارتضاه علماء المذاهب الفقهية, وخصوصا جمهور المالكية والشافعية, فالتزموا منهجه, وساروا على طريقته وتتلمذوا على يديه, ومن أبرزهم:
• الإمام محمد ابن مجاهد المالكي الذي تتلمذ عليه الإمام أبو بكر الباقلاني المالكي.
• والإمام أبو الحسن الباهلي الذي تتلمذ عليه الإمام أبو إسحاق الإسفراييني الشافعي والإمام أبو بكر ابن فورك الشافعي والإمام أبو بكر الباقلاني أيضا.
أما جمهور الحنفية فقد ارتضوا منهج الإمام أبي منصور الماتريدي, وساروا على طريقته, ومساحة الاتفاق بين الماتريدية والأشاعرة كبيرة جدا, وليس بينهما إلا خلاف يسير, لا تخرج به إحداهما عن أهل السنة والجماعة, مثل الإقرار باللسان ما بين شطريته وشرطيته في الإيمان, وزيادة الإيمان ونقصانه, والتكليف بالعقل, وصفة التكوين.
أما الحنابلة, فإن المتقدمين منهم قبل الإمام ابن تيمية كانوا أهل أثر, فاختلفوا مع الأشاعرة في طريقة تقرير مسائل العقيدة, واتفقوا معهم في نتائجها, إلا في مسائل يسيرة, أبرزها تأويل نصوص الصفات, وحقيقة صفة كلام الله , أما بعد ابن تيمية فقد اتسعت دائرة الخلاف بين الأشاعرة والحنابلة السائرين على منهجه, وسنسميهم السلفية كما يحبون أن يُسمّوا.
ثم تسلسل جمهور فقهاء المذاهب الأربعة في اتباع طريقة الأشاعرة أو موافقتهم في الجملة, في المسائل المميزة لهم عن الفرق الضالة, كمسائل الإيمان والقدر والكبيرة وصفات الله .
ولذلك فإن المذاهب الفقهية الأربعة ترتبط ارتباطا وثيقا بالعقيدة الأشعرية, قال الإمام أبو القاسم ابن عساكر الشافعي: "وأكثر العلماء في جميع الأقطار عليه - أي على مذهب الإمام الأشعري -, ..., وهل من الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية إلا موافق له أو منتسب إليه, أو راض بحميد سعيه في دين الله أو مثن بكثرة العلم عليه, غير شرذمة يسيرة تضمر التشبيه, وتعادي كل موحد يعتقد التنزيه".
وقال الإمام تاج الدين السبكي الشافعي: "سمعت الشيخ الإمام رحمه الله - أي والده تقي الدين - يقول: ما تضمنته عقيدة الطحاوي هو ما يعتقده الأشعري، لا يخالفه إلا في ثلاث مسائل, قلت: أنا أعلم أن المالكية كلهم أشاعرة، لا أستثني أحدا، والشافعية غالبهم أشاعرة، لا أستثني إلا من لحق منهم بتجسيم أو اعتزال, ...، والحنفية أكثرهم أشاعرة، أعني يعتقدون عقد الأشعري، لا يخرج منهم إلا من لحق منهم بالمعتزلة، والحنابلة أكثر فضلاء متقدميهم أشاعرة، لم يخرج منهم عن عقيدة الأشعري إلا من لحق بأهل التجسيم، وهم في هذه الفرقة من الحنابلة أكثر من غيرهم, وقد تأملت عقيدة أبي جعفر الطحاوي، فوجدت الأمر على ما قال الشيخ الإمام".
فقد أفاد هذا النص المؤيد بالواقع التاريخي أن معظم فقهاء المذهب الحنفي والمالكي والشافعي ومتقدمي الحنابلة أشاعرة, أو متفقون مع الأشاعرة في الجملة, وأن قلة من فقهاء هذه المذاهب ليسوا أشاعرة.
لقد كان جمهور فقهاء المذاهب الأربعة معتقدين عقيدة الأشاعرة أو موافقين لها في الجملة, وقد ضربنا مثالا على ذلك بمسألة الصفات, إلى أن أظهر الإمام ابن تيمية مخالفته للأشاعرة, وكان من مخالفاته لهم أنه أثبت الصفات بمقتضى ظاهر اللغة العربية, ونسبه إلى السلف الصالح, ووصف عقيدة التفويض بأنها شر أقوال أهل البدع والإلحاد؛ لأنها تقتضي أن في القرآن ما لا يعلم أحد معناه إلا الله، وأن هذا الاعتقاد يقدح في القرآن الكريم والنبي الرسول.
ويمكن رد هذا الكلام بتقرير أن نصوص القرآن لو كانت كلها ظاهرة واضحة لكانت آياته كلها محكمات, ولما كان فيه آيات متشابهات, وهذا مخالف لقول الله U: "هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات".
وقد بلغ الأمر بالإمام ابن تيمية إلى إثبات الأعضاء لله , وأن يد الله آلة عمله وفعله, وأنه لما كان مستغنيا عن الأكل والشرب استغنى عن أعضائهما, كالكبد والطحال ونحوهما, فقال: "الصمد الذي لا جوف له, ولا يأكل ولا يشرب, ..., والكبد والطحال ونحو ذلك هي أعضاء الأكل والشرب، فالغني المنزه عن ذلك منزه عن آلات ذلك، بخلاف اليد فإنها للعمل والفعل، وهو سبحانه وتعالى موصوف بالعمل والفعل، إذ ذلك من صفات الكمال.